السبت، 23 يناير 2016

في الحافلة إلى حلب 3

مرت الساعات مسرعة وحان موعد اللقاء... لقائي بطريق كنت اسلكه ذهاباً إياباً يائساً من مستقبلي وواقعي، لكن الطريق لم يعد كما كان سابقاً، لقد تغيرت كل ملامحه علي عدا إسمه بقي على حاله.
نزلت من الحافلة وبدأت زخات المطر تنزل علي لتغسل عني كل ماعلق بي من غبار المناطق الأخرى ومعها سمعت طلقات البنادق المتبادلة دون ان ألحظ أي خشية من المارة الذين يسلكون كلٌ في طريقه، لقد اعتادوا تلك الأصوات كما تبين لي وصدقوا وآمنوا بأن لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم وآمنت وصدقت معهم وسلكت طريقي الأخيرة إلى منزلي...

أشعلت سيكارة عانيت حتى احمر طرفها القابل للإشتعال نتيجة زخات المطر التي كانت تطفؤها كلما بدا لي انها اشتعلت.
اشتقت إليكي ياحلب ☀... يابلدي... اشتقت لشوارعكي...لأزقتكِ القديمة...لخاناتكِ... لأسواقكِ... لأهلك الطيبين... لرائحة عبق التاريخ الذي يغرق معالمكِ القديمة، لنهضة عمرانك ومصانعكِ التي غدت ملاذاً للحيوانات الشاردة بعد ان سرقت ودُمِرَت، حتى سكانك... كأنهم كبروا مئة عام في غضون بضعة سنوات مضت منذ بدء الأحداث.
اشعلت سيكارة أبت ان يستمر جمرها ظناً من نسمات حلبَ الشتوية انني غريب أحاول إشعال فتنة او شيء ما قد يضر سكانها ومحبيها فرميتها على أرضها وقبل ان ادوس عليها أُخمدت واختفى دُخانها.

الخميس، 21 يناير 2016

في الحافلة إلى حلب 2

كنت ارتدي بزتي العسكرية واحمل كيساً وضعت فيه أغراضي الشخصية من فرشاة أسنان وعطر ومعجون وشامبو وصابون وليف، وفي جيب سترتي وضعت جزداني ذو اللون الأحمر وبداخله بعض من الوريقات التي لا تفيدني كثيراً وبعض مابقي من راتبي لهذا الشهر، وفي جيب البنطال وضعت هاتفي المحمول من نوع Sony والذي يحوي صور عائلتي ومحادثاتي معهم طوال غيابي عنهم وعن مدينتي والتي اكتشفت مؤخراً عشقي الدفين لها بعيد الأزمة والحرب وغيابي الطويل عنها.
مع طول الطريق وصعوبته لم أشعر قط به، فذهني مشغول لما ستكون به حالتي عندما أدخل ولأول مرة إلى مدينتي في ظل ما حصل بها من دمار ويحصل كل يوم نتيجة المعارك التي تنشب كل فترة بين طرفي النزاع
اذكر من سنوات عندما كنت اذهب لصلاة الجمعة في مسجد حينا كان إمام وخطيب المسجد في احد الخطب يتحدث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو يودع مكة وتعلق قلبه صلوات الله عليه بمدينته
بكى محمد وهو يودع مكة، بكى وهو يشيع أيام طفولته وذكريات شبابه وأهله وعشيرته بكى وهو يشعر بمرارة وغصة كان عليه وحده تحملها ليجنب اتباعه من المؤمنين برسالته القسوة التي يلاقونها من كفار مكة، كان يتمنى البقاء مثلما تمنى لعشيرته الإيمان بالله وتصديق رسالته، بكى وهو يلقي نظرة أخيرة على كل بقعة عاش فيها لحظات طفولته وصباه (والله لولا أهلك اخرجوني ماخرجت منك أبداً).... يتبع

في الحافلة إلى حلب

بعد غياب طويل عن منزلي،حارتي،مدينتي الحبيبة حلب باتت كل ذكرياتي التي مضى عليها الكثير من الأيام والشهور معلقة فيها تنتظر عودتي كي أراها لتأكد تاريخي ووجودي على أرض هذه المدينة التي ذاقت وتذوق كل يوم طعم الموت.
مضى الكثير بعد ان تجاوزت مرحلة الإشتياق ودخلت بحالة الإستسلام للواقع بأنني لن أعود وأرى حلب مجدداً... كنت اقول في نفسي "يوماً ما ستفرج" لكن دون اليقين التام بذلك ليس ضعف إيمان وثقة بالله بل يأس وخذلان  الكثيرين من الناس الذين أعرفهم وغيرهم
في تلك الأزمة التي كشفت الأقنعة عن وجوه الكثيرين، بت لا تعرف الصديق من العدو، الأخ من الغريب، الوفي من الخائن حتى تغربلت الناس لتطفو الطبقة المخلصة فوقهم
جاء اليوم الذي ركبت حافلة استقليتها من احد الحواجز على الطريق، رفض معاون السائق ان يقلني معه بسبب إكتمال العدد إلا انني أصريت عليه الركوب معه ولو بقيت واقفاً دون مقعد... قلت له وبصوت سمعه الركاب " اريد ان اصل لحلب اليوم لم اعد احتمل غيابي سنوات عنها،ارجوك...سأعطيك ماتريده "
تعاطف معي السائق ومعاونه وسمحوا لي بمرافقتهم واجلسني المعاون بجانبه على مقعده الخاص
كان الطريق حينها من ادلب إلى حلب يشوبه بعض الخشية من حصول طارئ ما لا سمح الله فوضع البلاد معروف لدى الكثيرين منكم
كانت الطريق طويلة ليس من بعد المدينتين عن بعضهما بل لإنقطاع السبل، فالطرقات معظمها يسيطر عليها متمردون... لن اقول عنهم إرهابيون لعدم فهمي لهذا المصطلح بعد، والذي لا يطلق إلا لأعمال العنف من قبل مسلمين فقط أما باقي الإرهابيين من غير المسلمين فلا يطلق عليهم ذلك المصطلح رغم قيامهم بأعمال عنف بشكل يومي من اغتصاب وقتل وتخريب كما يشيرونه بدراساتهم المجتمعية.... يتبع