الخميس، 13 أغسطس 2015

نشأة الصداقة 5

لم أهتم كثيراً لأمره... اصبحت وقت الإستراحة اخرج وامشي لوحدي أناقش نفسي حول قضايا تهمني، لكن حقيقة لم تكن مقاطعته لي إحدى قضاياي حينها... وعندما أنتهي من مشواري ادخل لأنام، كان يتخلل وقت فراغي أحياناً بدونه مشاركة زملائي ببعض المواضيع والمزاح وأيضاً دفتر مذكراتي كان يشغل وقتاً وبعض الأعمال التي تخصني من نظافة واهتمام بسريري ولباسي.
في اليوم التالي أخذت افعل كما افعل دائماً اغيب عن نظره، رآني أحد الزملاء سألني :مابك انت ونشأت لم اعد اراكما مع بعضكما..! لقد سألني ان كنت قد رأيتك...
- طيب سأراه الآن
دخلت المجمع وإذ هو أمامي اصبحت عيني بعينه أخذت يميني وانصرفت عنه، فسألني :اين كنت؟ لقد سألت عنك ولم يكن أحد يعرف مكانك
اجبته:كنت.... كنت اشتم الهواء 
قال: يعني لم تكن مع احد رفاقك؟
اجبته:وهل سألتك إن كنت انت مع احد رفاقك قال:لا... كنت انتهي من الدروس أشرب كأساً من الشاي واشعل سيجارة ومن بعدها انام، اما انت فكنت تذهب وتقضي اوقاتك مع فلان وفلان
اجبته: انت من ابتعد وقال دعني وشأني
قال: انت تحب أن تستفزني دائماً لأصل لمرحلة لا اقدر بعدها على ضبط نفسي
اجبته:خلص... انا اعتذر منك، عليك ان لا تنزعج من كلامي معك أولاً انا لا اوجه اي كلمة لك امام اي احد لأحرجك، ثانياً انا اريد لك الخير ولن انزعج منك من اي انتقاد ستوجهه لي في المستقبل مادام الحديث يدور بيني وبينك دون تدخل طرف آخر

غط في نوم عميق كعادته تحت تأثير الدواء الذي يأخذه كل يوم... علي التعود والصبر عليه علني اخفف عنه،
في الصباح التالي:
إنها اول مرة اراه يبتسم ويضحك ويبدأ الناس بسماع صوت ضحكاته، لكن ما كنت اخشاه هو عودة الأفكار السلبية التي تراوده بين الحين والآخر كالخوف من ألم المعدة الذي يأتيه فجأة أو اعراض اخرى كالتهيج فالإنتكاسة غالباً ماتأتي فجأة لتقلب كل ماسعيته من اجل الخروج من حالته
تخللت ايام صداقتنا العديد من المواقف، الخلافات التي كانت تنشأ وغيرها من مشاكل الحياة، طبعاً تعود علي وتعودت عليه فاصبحنا نتجاوز لبعضنا البعض الخلافات فتارة يبدأ هو وتارة آخذ وقتي لكي اعود معه
لم اصرح له يوماً بمحبتي الشديدة له إطلاقاً مما دعاه وفي آخر أيام التدريب ان يطرح علي هذا السؤال :
سأسلك وأريد منك الاجابة بصراحة،ولست مضطراً للكذب علي قل لي الحقيقة..
هل في قلبك محبة لي ام انك فقط تقضي ايام معي وسينتهي كل شيء عندما يفرقونا؟
اخذت قليلاً من الوقت وقلت في نفسي لقد نجحت في اخفاء محبتي له.
سأقول لك جملة قصيرة لا تنساها ابداً، فقال قلها اسمعك
قلت :ان كنت فعلاً تحبني مثلما احبك...  سنبقى اصدقاء الى الأبد
قال: اجل اجل. من الممكن ان نصبح اصدقاء وان لا تنساني بعد ان ينتهي التدريب ونفترق وان تزورني بعد ان ننهي أشهر الخدمة في مدينتي، وستقيم عندنا سآخذك لترى جمال مدينتنا وحضارتها... سنقضي وقتاً ممتعاً
ان شاءالله
طيلة فترة صداقتنا في المركز كنت ثابتاً بمواقفي تجاهه،حتى بدأ يفكر بكل ماكنت اقوله له استطعت اقناعه أخيراً بأن الدواء لن يجلب العلاج بل العلاج في تغيير ما تعودت التفكير به وان الايمان يجعل من الإنسان شخصاً لا يلتفت لوساوس الشيطان فالخوف من مستقبل صحتك او عملك او عائلتك هى دليل لخلل في الإيمان فالمؤمن لا يخاف من قضاء الله وقدره وعليه فنحن ندعو دائماً "ربنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه " وان الله قد قال للمؤمنين في كتابه العزيز

﴿ ﻣَﻦْ ﻋَﻤِﻞَ ﺻَﺎﻟِﺤﺎً ﻣِﻦْ ﺫَﻛَﺮٍ ﺃَﻭْ ﺃُﻧْﺜَﻰ ﻭَﻫُﻮَ ﻣُﺆْﻣِﻦٌ ﻓَﻠَﻨُﺤْﻴِﻴَﻨَّﻪُ ﺣَﻴَﺎﺓً ﻃَﻴِّﺒَﺔً ﴾ وبدأت اكسر الصورة الذاتية لنفسه فهو يرى نفسه بأدنى ماهو عليه حتى انه يظن ان جسده مليء بالعلل وعلى العكس من ذلك كانت كل اوجاعه وامراضه من تأثير نفسيته السلبي على جسده ولا اكثر من ذلك حتى انه لا يستطيع تسمية أمراض معينة تصيبه فهو سليم، تخيلو احد المرات اصابه صداع شديد وظن في نفسه انه مصاب بمرض عضال وكان ان جلس مع احد شكى له صداعه المستمر الى ان اجابه احدهم بمرض كان هو بداخله يخشى منه عندها صدق بأنه مصاب بذلك المرض وبدأ يحضر نفسه للموت قائلاً لي: ان مت اتمنى من الله ان يغفر لي
- كلنا سنموت وكلنا ندعو الله ان يغفر لنا
- نعم ولكني قد اموت قبلكم اظن اني مصاب بذاك المرض الخبيث ابعدها الله عنا وعنكم
- بدأت اضحك عليه مما اخرجه من حالة الجدية والدرامية التي يتكلم بها
- لما تضحك..؟
- لأنك مجنون
- كم مرة اخبرتك ان لا تصفني بالمجنون
- لأنك مجنون وغبي أيضاً، وانا اسأل نفسي مابك... تراك عدت لمخاوفك من الوهم الذي تتفنن بصنعه لنفسك كل فترة، يعني كلما اصابك ألم ما او وجع في مكان ما ربطه بمرض من عندك.... هل درست الطب قبل ان تأتي الى هنا
- لكن فلان قال لي قد يكون معك هذا المرض
- ها إذاً ذلك الفلان هو الطبيب المختص الذي استشرته، نشأت انت تثق بي صحيح... انت سليم وما من مرض يصيبك، هي عبارة عن أوجاع تصيب كل انسان لأسباب عدة هذه هي الحياة الكمال ليس موجوداً فيها الكمال لله وسيعطينا إياه في الجنة إن جعلنا  من أهلها،هيا بنا لنذهب ونشتري شيئاً نأكله وانسى صداعك الآن...
- يخبرني في اليوم التالي انه لم يعد الصداع يرافقه بعد ان تناول تلك الكبسولة.
- ياليت الكبسولة من اجل الصداع... انها لأمر آخر....!!
لقد اتعبني كثيراً بعد فترة من صداقته فلا احتمل على تركه ولم اعد احتمل تصرفاته لكن طيبته ووجهه البريئ كانا يصبراني قليلاً حتى احد المرات قلت له
- لقد اتعبتني كثيراً،،  لقد شاب شعري منك... انظر
- فعلاً ان في رأسك شعر ابيض
- هذا بسببك وبسبب جنونك الذي ستعديني به قريباً
- أصلاً انت مجنون وارى تصرفاتك غريبة، مامن عاقل يفعل افعالك هل رأيت احداً غيرك يرتدي السترة قبل البنطال..!!
- فعلاً محق... لم ارى، سأفكر في الأمر... قد احتاج لطبيب في المستقبل
- نعم سارع بمعالجة الأمر قبل ان يسوء وضعك اكثر من ذلك
- ولكني على يقين بأني عندما سأتخلص منك وتنتهي تلك الفترة اللعينة التي جمعتني بك سأتحسن تدريجياً لأني اقدر التحكم بأفكاري غيرك انت تسيطر عليه السلبية متى شاءت عندها سألعن الساعة التي عرفتك بها
- انت تكذب... على نفسك، انت لا تستطيع العيش بدوني على الأقل هنا
- ومن قال لك؟
- انت قلت وانا اشعر بذلك
- ولكني قلت لك أيضاً انني كنت اكرهك كره القط للفأر وسأعود لكرهي لك... اعدك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق