الأحد، 16 أغسطس 2015

نشأة الصداقة 6

هي أيامنا الأخيرة نقضيها مع بعضنا، وسيرحل كل منا إلى المجهول... ..... خليط من ذكريات رسمناها على المقاعد وآثار خطوات أقدامنا قد تركت اثراً في تربة ألفت  مسيرنا وصدى اصواتنا وضحكاتنا سافرت لغير رجعة لمكان لن تطأه اقدامنا يوماً...  نرى الأفق كل صباح اشعة الشمس تنهض لتلامس اهدابها السماء ونسرح مستمتعين بأقصى ماقد يصل إليه ناظريّنا كلانا غالباً يحلم بشيء ما، يتمنى شيئاً ما قد تكون امنياتنا مشابهة لبعضها

    لا ندري ماتخبؤه لنا الأيام لكن الذي كنا ندركه جيداً بأن لقاءاتنا ستنتهي قريباً على امل عودة بظروف افضل .... كان متفائلاً ولأول مرة اشعر او اظن انني من الممكن ان أراه متفائلاً في يوم ما.
بدأت الأيام بالتباطؤ مع نهاياتها وكأنها تريد لنا ان نستفيد من كل لحظة بها مع بعضنا .... يوماً بعد يوم تسوء احوال البلاد وتغرق بالدماء.... كنا تقريباً بمعزل عما يجري في المحافظات الأخرى متمسكين بحياتنا الطبيعية التي عهدناها سابقاً ومتأكدين بأننا سنعود لها ولن نفكر سوى بمستقبلنا، لأننا فُطرنا على التفكير به.
أنا مثلاً من مدينة هي الاقدم من المدن المأهولة في العالم ومشهورة بالصناعات بأنواعها افتخر بها واحن لها... لقلعتها العظيمة لأسواقها وخانتها لأحجارها المغرقة في التاريخ
وهو أيضاً من مدينة لا تقل اهمية عن مدينتي من اقدم عواصم العالم

حان موعد الرحيل.... وطوينا تلك الايام التي جمعتنا متمنين ان تجمعنا مرة أخرى قال لي وقتها
- دعني اودعك قد لا اراك مجدداً
امر ما منعني  الرد على ما قاله، قد يكون بداخله يشعر بذلك..؟ لا أدري...
شيئاً فشيئاً اصبحت ظروف البلاد تزيد سوء، القتل والتدمير اصبح يومياً وبإزدياد اخذت تلك الاحداث تأخذ اشكالاً اخرى حتى غدت حرباً ضروساً لا تبقي ولا تذر وعلى جبهات داخلية متعددة
رغم تقدم عالم الاتصالات إلا ان التواصل معه كان شبه مستحيل
مرت عدة اشهر ولم اعرف عنه أي خبر... هل مازال حياً... هل هو بخير
اسأل نفسي كلما كنت في خلوة مع نفسي تعود الذكريات وتأخذني معها الى الوقت والمكان اللذان كنا فيه... اقارن ماكنت عليه وما آلت به حياتي الآن
بعد مرور حوالي الستة اشهر تقريباً، كنت في محرسي أؤدي خدمتي مساء احد الأيام كانت المنطقة التي اخدم فيها ريفية وتعاني من بعض الاضطرابات رغم حيادية سكانها.
في ساعات الحراسة... في الظلام وعلى ضوء القمر تستطيع الدخول لأي حالة شعورية ترغب بها... تستطيع ان توصل نفسك لمرحلة ان تبكي على أمر ما تفتقده... السكون مع صوت نعيق الضفادع الى جانبه عواء الكلاب... ومن ثم يعود السكون... تسمع اصوات الاشتباكات من حولك.... ترى القذائف في السماء كأشهب تمر وتختفي فجأة.... تلمع لمعة في الافق... ثم يصل صوت سقوطها على مكان ما

لم اعد اريد سوى الاطمئنان عليه انه بخير فقط، ان يصلني خبر من اي احد ولا اريد اكثر من ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق